فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: لقيه في السماء.
وذكر الخبر المعروف أنه فرض على النبي صلى الله عليه وسلم خمسون صلاة.
فقال له موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك.
فلم يزل يرجع حتى حطّ الله عز وجل إلى الخمس ويقال: {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَائه} يعني: من لقاء الله عز وجل وهو البعث بعد الموت.
ويقال: {فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَائه} يعني: لا تشكن أنك تلقى موسى يوم القيامة.
ثم قال عز وجل: {وجعلناه هُدًى لّبَنى إسراءيل} يعني: جعلنا التوراة بيانًا لهم، وهدى من الضلالة.
ويقال: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى} يعني: جعلنا موسى هاديًا لبني إسرائيل يدعوهم {وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً} يعني: وجعلنا من بني إسرائيل قادة في الخير {يَهْدُونَ بأَمْرنَا} يعني: يدعون الناس إلى أمر الله عز وجل: {لَمَّا صَبَرُوا} أي: حين صبروا ويقال: هو حكاية المجازاة، يعني لما صبروا جعلنا منهم أئمة ومن قرأ بالتخفيف {لَمَّا صَبَرُوا} أي بكسر اللام والتخفيف وقرأ الباقون بالنصب والتشديد.
فمن قرأ بالتشديد {لَمَّا صَبَرُوا} بما صبروا، وتشهد لها قراءة ابن مسعود، كان يقرأ: {بمَا صَبَرُوا}.
ويقال: معناه كما صبروا عن الدنيا، وصبروا على دينهم، ولم يرجعوا عنه.
ويقال: معناه وجعلناهم أئمة بصبرهم {وَكَانُوا بآياتنا يُوقنُونَ} يعني: يصدقون بالعلامات التي أعطي موسى.
ثم قال عز وجل: {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ} يعني: يقضي بينهم {يَوْمَ القيامة فيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلفُونَ} من الدين.
ثم خوّف كفار مكة فقال عز وجل: {أَوَ لَمْ يَهْد لَهُمْ} يعني: أو لم يبيّن لهم الله تعالى.
وقرىء في الشاذ {أَوَ لَمْ عَرَّفَهَا لَهُمْ} بالنون وقرأ العامة بالياء.
{كَمْ أَهْلَكْنَا} يعني: أو لم نبين لهم الهلاك {من قَبْلهمْ مّنَ القرون} يعني: قوم لوط وصالح وهود {يَمْشُونَ في مساكنهم} يعني: يمرون في منازلهم {إنَّ في ذَلكَ لاَيَاتٍ} يعني: في إهلاكهم لآيات لعبرات {أَفَلاَ يَسْمَعُونَ} أي: أفلا يسمعون المواعظ فيعتبرون بها.
ثم قال عز وجل: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الماء إلَى الأرض الجرز} يعني: اليابسة الملساء التي ليس فيها نبات يقال: أرض جرز أي: أرض جدب لا نبات فيها.
يقال: جرزت الجراد إذا أكلت، وتركت الأرض جرزًا {فَنُخْرجُ به زَرْعًا} يعني: نخرج بالماء النبات {تَأْكُلُ منْهُ أنعامهم} أي: من الكلأ والعشب والتبن {وَأَنفُسهمْ} من الحبوب والثمار {أَفَلاَ يُبْصرُونَ} هذه العجائب فيوحّدوا ربهم.
قوله عز وجل: {وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح} قال مقاتل: أي متى هذا القضاء وهو البعث؟ وقال قتادة: {الفتح} القضاء.
وقال مجاهد: {الفتح} يوم القيامة {إن كُنتُمْ صادقين} تكذيبًا منهم يعنون به النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال عز وجل: {قُلْ} يا محمد {يَوْمَ الفتح} يعني: يوم القيامة {لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم} قال في رواية الكلبي: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتذاكرون فيما بينهم وهم بمكة قبل فتح مكة لهم وكان ناس من بني خزيمة كانوا إذا سمعوا ذلك منهم، يستهزئون بهم ويقولون لهم: متى فتحكم هذا الذي كنتم تزعمون؟ ويقولون: فنزل يعني: بني خزيمة.
{متى هذا الفتح} يا أصحاب محمد إن كنتم صادقين.
{قُلْ} يا محمد {يَوْمَ الفتح} أي: فتح مكة {لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم} من القتل {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} حتى يقتلوا.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة، وقد كانت بينه وبينهم إحنة في الجاهلية يعني: الحقد فقالوا: قد أسلمنا فقال لهم: انزلوا فنزلوا فوضع فيهم السلاح فقتل منهم، وأسر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللَّهُمَّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ خَالَدُ بْنُ الوَليد»؟ فبعث إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالدية من غنائم خيبر، فذلك قوله تعالى: {قُلْ يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم} من القتل {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يعني: يؤجلون.
ثم قال عز وجل: {فَأَعْرضْ عَنْهُمْ} يا محمد {وانتظر} لهم فتح مكة ويقال: العذاب.
{إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} بهلاكك.
وروى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل، وتبارك الذي بيده الملك.
وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ قَرَأ الم السَّجْدَة، وَتَبَارَكَ الَّذي بيَده المُلْكُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَى لَيْلَةَ القَدْر» والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إنَّمَا يُؤْمنُ بآيَاتنَا الذين إذَا ذُكّرُوا بهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبرُونَ}.
عن الإيمان به والسجود له. {تتجافى} أي ترتفع وتنتحي، وهو تفاعل من الجفا، والجفا: التبوّء والتباعد، تقول العرب: جاف ظهرك عن الجدار، وجفت عين فلان عن الغمض إذا لم تنم. {جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع}.
أخبرني أبو عبدالله الحسين بن محمد بن الحسن قال: أخبرني أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن سمعان الوزان، عن عبدالله بن قحطبة بن مرزوق، عن محمد بن موسى الحرشي، عن الحرث بن وحيه الراسبي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: سألت أنس بن مالك عن قول الله تعالى: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع}، فقال أنس: كان أُناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة، فأنزل الله تعالى: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع}.
أخبرني الحسين بن محمد عن موسى بن محمد، عن الحسن بن محمد، عن موسى بن محمد عن الحسن بن علويه، عن إسماعيل بن عيسى، عن المسيب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتاده، عن أنس بن مالك قال: نزلت فينا معاشر الأنصار: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع} الآية، كنّا نصلّي المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتّى نصلّي العشاء مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
وأخبرنا الحسين بن محمد عن عبدالله بن إبراهيم بن علي بن عبدالله، عن عبدالله بن محمد بن وهب، عن محمد بن حميد، عن يحيى بن الضريس، عن النضر بن حميد، عن سعيد، عن الشعبي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عقّب ما بين المغرب والعشاء بُني له في الجنّة قصران ما بينهما مسيرة مائة عام، وفيهما من الشجر، ما لو نزلها أهل المشرق وأهل المغرب لأوسعتهم فاكهة، وهي صلاة الأوّابين وغفلة الغافلين، وإنّ من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء ما بين المغرب والعشاء».
وقال عطاء: يعني يصلّون صلاة العتمة لا ينامون عنها، يدلّ عليها ما أنبأني عبدالله بن حامد، عن عبدالصمد بن الحسن بن علي بن مكرم، عن السري بن سهل، عن عبدالله بن رشيد قال: أنبأني أبو عبيدة مجاعة بن الزبير، عن أبان قال: جاءت امرأة إلى أنس بن مالك، فقالت: إنّي أنام قبل العشاء. فقال: لا تنامي. فإنّ هذه الآية نزلت في الذين لا ينامون قبل العشاء الآخرة {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع}. وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وابن زيد: هو التهجّد وقيام الليل، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو عبدالله بن فنجويه عن أبي بكر بن مالك القطيعي، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أَبي عن زيد بن الحبّاب، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصم، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع} {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} قال: قيام العبد في الليل.
وأخبرنا عبدالله بن حامد الأصفهاني، عن محمّد بن عبدالله بن عبد الواحد الهمداني، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق بن معمر، عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل، عن معاذ قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبيّ الله ألا تخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النار؟ قال: يا معاذ، «لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّرهُ الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. ثمّ قال: ألاَ أدلُّك على أبواب الخير. الصوم جُنّة من النار والصدقة تطفئ غضب الربّ وصلاة الرجل في جوف الليل ثمّ قرأ: {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع} حتّى بلغ {جَزَاءً بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثمّ قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه. فقلتُ: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه. فقال: اكفف، عليك هذا».
فقلت: يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم؟ فقال: «ثكلتك أُمّك يا معاذ وهل يكبّ الناس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم».
وقال الضحّاك: هو أنْ يصلّي الرجل العشاء والغداة في جماعة.
أخبرني الحسين بن فنجويه عن أحمد بن الحسين بن ماجة قال: أخبرني أبو عوانة الكوفي بالري عن منجاب بن الحرث عن علي بن مسهر عن عبدالرحمن بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يُسمع الخلائق كلّهم: سيعلمُ أهل الجمع اليوم مَنْ أولى بالكرم، ثمّ يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تَتَجافَى جُنُوبُهُم عَن المَضَاجع فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء. فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعًا إلى الجنّة ثمّ يحاسب سائر الناس».
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} أي خُبّئ لهم، هذه قراءة العامّة. وقرأ حمزة ويعقوب أُخفي مرسلة الياء أي: أنا أخفي وحجّتهما قراءة عبدالله: نُخفي بالنون. وقرأ محمّد بن كعب: أخْفى بالألف يعني: أخفى الله من قرّة أعين، قراءة العامّة على التوحيد.
أخبرنا عبدالله بن حامد الوزان، عن مكي بن عبدان، عن عبدالله بن هاشم قال: أخبرني أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن بله ما قد أطلعتكم عليه، اقرأوا إن شئتم فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفي لَهُمْ منْ قُرَّاتَ أَعْيُن». {جَزَاءً بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال: وكان أبو هريرة يقرأ هكذا: {قرّات أعين} وقال ابن مسعود: إنّ في التوراة مكتوبًا: لقد أعد الله للّذين تَتَجَافَى جُنوُبُهُم عَن المَضَاجع ما لم تَرَ عين ولم تسمع أُذن ولا يخطر على قلب بشر وما لا يعلمه ملك مقرّب، وإنّه لفي القرآن {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} الآية.
قوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأُمّه وذلك أنّه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد لعلي: أُسكت فإنّك صبيّ، وأنا والله أبسط منك لسانًا وأَحَدُّ منك سنانًا، وأشجع جنانًا، وأملأُ منك حشوًا في الكتيبة، فقال له علي: اسكت فإنّك فاسق، فأنزل الله عزّ وجلّ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} ولم يقل يستويان، لأنّه لم يرد بالمؤمن مؤمنًا واحدًا، وبالفاسق فاسقًا واحدًا، وإنّما أراد جميع الفسّاق وجميع المؤمنين.
قال الفرّاء: إنّ الاثنين إذا لم يكونا مصمودَين لهما ذُهب بهما مذهب الجمع.
ثمّ ذكر حال الفريقين ومآلهما، فقال عزّ من قائل: {أَمَّا الذين آمَنُوا وَعَملُوا الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى نُزُلًا بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الذين فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ منْهَآ أُعيدُوا فيهَا وَقيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ}.
قال أُبي بن كعب وأبو العالية والضحّاك والحسن وإبراهيم: العذاب الأَدنى مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها ممّا يبتلي الله به العباد حتّى يتوبوا، وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس. عكرمة عنه: الحدود. عبدالله بن مسعود والحسن بن علي وعبدالله بن الحرث: القتل بالسيف يوم بدر. مقاتل: الجوع سبع سنين بمكّة حتّى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. مجاهد: عذاب القبر. قالوا: والْعَذاب الاكْبَر، يوم القيامة {لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} عن كفرهم.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن ذُكّرَ بآيَات رَبّه ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إنَّا منَ المجرمين} المشركين {مُنتَقمُونَ} قال زيد بن رفيع: عنى بالمجرمين هاهنا أصحاب القَدَر ثمّ قرأ: {إنَّ المجرمين في ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] إلى قوله: {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بقَدَرٍ} [القمر: 49] وأخبرنا الحسين بن محمد، عن أحمد ابن محمد بن إسحاق السني قال: أخبرني جماهر بن محمد الدمشقي، عن هشام بن عمّار، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبدالله، عن عبادة بن سني، عن جنادة بن أبي أمية، عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من اعتقد لواء في غير حقّ، أو عَقَّ والديه، أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم. يقول الله تعالى: إنَّا منَ المُجْرمينَ مُنْتَقمُونَ».
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَآئه} ليلة المعراج. عن ابن عبّاس، وقال السدّي: من تلقّيه كتاب الله تعالى بالرضا والقبول. قال أهل المعاني: لم يرد باللقاء الرؤية وإنّما أراد مباشرته الحال وتبليغه رسالة الله عزّ وجلّ وقبول كتاب الله. وقيل: من لقاء الله الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره.
{وَجَعَلْنَاهُ} يعني الكتاب، وقال قتادة: موسى {هُدًى لبني إسْرَائيلَ وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً} قادة في الخير يقتدى بهم {يَهْدُونَ} يدعون {بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا} قرأ حمزة والكسائي {لَمَّا} بكسر اللام وتخفيف الميم أي لصبرهم، واختاره أبو عبيد اعتبارًا بقراءة عبدالله {لَمَّا صَبَرُوا} وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم أي حين صبروا.
{وَكَانُوا بآيَاتنَا يُوقنُونَ إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ} يقضي بينهم. ويُسمّي أهل اليمن القاضي الفيصل {يَوْمَ القيامة فيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلفُونَ أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا من قَبْلهمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ} آيات الله وعظاته فيتّعظون بها.
قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الماء إلَى الأرض الجرز} أي اليابسة المغبرة: الغليظة التي لا نبات فيها. وأصله من قولهم: ناقةٌ جراز إذا كانت تأكل كلّ شيء تجده، ورجل جروز، إذا كان أكولًا. قال الراجز:
خبّ جروز وإذا جاع بكى ** ويأكل التمر ولا يلقي النوى

وسيفٌ جراز أي قاطع، جَرزت الجراد الزرع إذا استأصلته، فكأن الجرز هي الأرض التي لا يبقى على ظهرها شيء إلاّ أفسدته، وفيه أربع لغات: جُرز وجَرُز وجَرْزَ وجَرَز.
قال ابن عبّاس: هي أرض باليمن. قال مجاهد: هي أبين {فَنُخْرجُ} فننبت {به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصرُونَ وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إن كُنتُمْ صَادقينَ} قال بعضهم: أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الثواب والعقاب والحكم بين العباد.
قال قتادة: قال أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم: إنّ لنا يومًا ننعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم، فقال الكفّار استهزاءً: متى هذا الفتح؟ أي القضاء والحكم.
قال الكلبي: يعني فتح مكّة. وقال السدي: يعني يوم بدر، لانَّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه كانوا يقولون لهم: إنّ الله ناصرنا ومُظهرنا عليكم.
{قُلْ يَوْمَ الفتح} يوم القيامة {لاَ يَنفَعُ الذين كفروا إيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} وَمَن تأوّل النصر قال: لا ينفعهم إيمانُهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وانتظر إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} قراءة العامّة {مُّنتَظرُونَ} بكسر الظاء. وقرأ محمد بن السميفع بفتح الظاء، قال الفرّاء: لا يصحّ هذا إلاّ بإضمار مجازه: إنّهم منتظرون ربّهم، قال أبو حاتم: الصحيح كسر الظاء لقوله: {فارتقب إنَّهُمْ مُّرْتَقبُونَ} [الدخان: 59]. اهـ.